responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 189
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
[الطَّلَاقِ: 3] فَإِنْ قِيلَ فَالَّذِي يُعِينُهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ يُعَذَّبُ فَلِمَ يُعَذِّبُ الْكَافِرَ؟ نَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا أُعِينُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِي وَيَتَوَكَّلُ عَلَيَّ» وَالْكَافِرُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَرَكَهُ مَعَ نَفْسِهِ فَيَبْقَى فِي عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ اللَّطِيفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ/ تَعَالَى: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَأَبَيْنَ أَنْ يَقْبَلْنَهَا وَقَبِلَهَا الْإِنْسَانُ، وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ افْعَلْ هَذَا الْفِعْلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفِعْلِ تَعَبٌ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَإِذَا فَعَلَهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً فَقَالَ تَعَالَى: وَحَمَلَهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مُجَرَّدِ حَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَإِمَّا عَلَى رِعَايَتِهَا حَقَّ الرِّعَايَةِ فَيَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ فَإِنْ قِيلَ فَالْكُلُّ حَمَلُوهَا، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْكَافِرَ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى الْحَمْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ عَلَى الْحَمْلِ فَنَقُولُ الْفِعْلُ إِذَا كَانَ عَلَى وَفْقِ الْإِذْنِ مِنَ الْمَالِكِ الْآمِرِ يَسْتَحِقُّ الْفَاعِلُ الْأُجْرَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ احْمِلْ هَذَا إِلَى الضَّيْعَةِ الَّتِي عَلَى الشِّمَالِ فَحَمَلَ وَنَقَلَهَا إِلَى الضَّيْعَةِ الَّتِي عَلَى الْجَنُوبِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ كَذَلِكَ الْكَافِرُ حَمَلَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِذْنِ فَغَرِمَ وَزَالَتْ حَسَنَاتُهُ الَّتِي عملها بسببه. ثم قال تعالى:

[سورة الأحزاب (33) : آية 73]
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)
أَيْ حَمَلَهَا الْإِنْسَانُ لِيَقَعَ تَعْذِيبُ الْمُنَافِقِ وَالْمُشْرِكِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ قَدَّمَ التَّعْذِيبَ عَلَى التَّوْبَةِ نَقُولُ لَمَّا سَمَّى التَّكْلِيفَ أَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ مِنْ حُكْمِهَا اللَّازِمِ أَنَّ الْخَائِنَ يَضْمَنُ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِهَا اللَّازِمِ أَنَّ الْأَمِينَ الْبَاذِلَ جُهْدَهُ يَسْتَفِيدُ أُجْرَةً فَكَانَ التَّعْذِيبُ عَلَى الْخِيَانَةِ كَاللَّازِمِ وَالْأَجْرُ عَلَى الْحِفْظِ إِحْسَانٌ وَالْعَدْلُ قَبْلَ الْإِحْسَانِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِمَ عَطَفَ الْمُشْرِكَ عَلَى الْمُنَافِقِ، وَلَمْ يُعِدِ اسْمَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَقُلْ وَيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَعِنْدَ التَّوْبَةِ أَعَادَ اسْمَهُ وَقَالَ وَيَتُوبَ اللَّهُ وَلَوْ قَالَ وَيَتُوبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمَعْنَى حَاصِلًا؟ نَقُولُ أَرَادَ تَفْضِيلَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُنَافِقِ فَجَعَلَهُ كَالْكَلَامِ المستأنف ويجب هناك ذكر الْفَاعِلُ فَقَالَ: وَيَتُوبَ اللَّهُ وَيُحَقِّقُ هَذَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (وَيَتُوبُ اللَّهُ) بِالرَّفْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ وَصْفَيْنِ الظَّلُومُ وَالْجَهُولُ وَذَكَرَ مِنْ أَوْصَافِهِ وَصْفَيْنِ فَقَالَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أَيْ كَانَ غَفُورًا لِلظَّلُومِ وَرَحِيمًا عَلَى الْجَهُولِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ عِبَادَهُ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الظُّلْمَ جَمِيعًا إِلَّا الظُّلْمَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: 13] وَأَمَّا الْوَعْدُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: 48] وَأَمَّا الرَّحْمَةُ عَلَى الْجَهْلِ فَلِأَنَّ الْجَهْلَ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ وَلِذَلِكَ يَعْتَذِرُ الْمُسِيءُ بِقَوْلِهِ ما علمت.
وهاهنا لَطِيفَةٌ: وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ عَبْدَهُ بِأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَبَصَّرَهُ بِنَفْسِهِ فَرَآهُ ظَلُومًا جَهُولًا ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَمَانَةَ فَقَبِلَهَا مَعَ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ لِعِلْمِهِ فِيمَا يَجْبُرُهَا مِنَ الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَآلِهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست